السبت، 12 يناير 2013

لن تكون قصة انتحار أماندا تود الفتاة الكندية جرس إنذار أخرس


لن تكون قصة انتحار أماندا تود الفتاة الكندية جرس إنذار أخرس

لن تكون قصة انتحار أماندا تود الفتاة الكندية جرس إنذار أخرس
لن تكون قصة انتحار أماندا تود الفتاة الكندية جرس إنذار أخرس 
                                                                                       م.هناء الرملي
“لقد قررت أن أخبركم بقصتي التي لن تنتهي أبداً”، هكذا بدأت أماندا تود الفتاة الكندية التي انتحرت يوم 10 أكتوبر 2012 سرد قصتها عبر مقطع فيديو على موقع “اليوتيوب”  وهي تحمل بيديها أوراق بيضاء كتبت عليها عبارات قصيرة، تقلبها ورقة ورقة بصمت لنقرأ رسالتها كاملة.
لم تكن أماندا تعلم بمصيرها المأساوي حين قررت وصديقاتها منذ سنوات حين كانت في الصف السابع التواصل مع الغرباء من خلال التشات عبر الصوت والصورة، حيث التقت بشخص مجهول، قام بالتودد إليها بكلمات الإطراء لفترة من الزمن،كان يطلب منها أن تكشف له جسدها، حتى استجابت له، وبعد مرور عام، استلمت أماندا رسالة تهديد عبر الفيسبوك حيث تمكن من الوصول إلى حسابها، يطلب فيها أن تتعرى له وجهاً لوجه، وإن لم تفعل سيرسل صورها لأصدقائها وعائلتها حيث تعرف على اسمائهم وعنوان بيتها ومدرستها من خلال الفيسبوك، لم تستجب أماندا لطلبه، وفوجئت هي وأهلها بطرق على باب بيتها في الساعة الرابعة من فجر أحد ايام إجازة عيد الميلاد من قبل رجال الشرطة يطلبون أماندا للتحقيق معها بعد أن أصبحت صورها في متناول يد الجميع، إضافة لوجود صفحة خاصة لصورها وهي عارية الصدرعلى الفيسبوك، ومنذ ذلك اليوم وقعت أماندا في دوامة من العذاب حيث أدمنت الكحول والمخدرات، حاول أهلها تغيير مكان السكن والمدرسة عدة مرات دون جدوى، كما أقدمت على عدة محاولات فاشلة للانتحار، وفي آخر محاولة لها وبعد عودتها من المستشفى وجدت رسائل كراهية على الفيسبوك بأنها تستحق الموت فأقدمت على شنق نفسها وفارقت الحياة.
إن خبر انتحار أماندا تود قد يسبب القلق لنسبة ضئيلة من الأهالي في الوطن العربي ممن سمعوا الخبر، كما أن نسبة ضئيلة من هذه النسبة سوف يتأثر ويخشى عملياً على أبنائه باتخاذ إجراءات وقائية ما، ونسبة ضئيلة من هذه النسبة أيضاً سوف يستمر بهذه الإجراءات. وقد تكون من ضمن هذه الإجراءات منع الأبناء من استخدام الإنترنت، وهذا هو الإجراء الأخطر حيث سيصبح مدخل الأبناء للإنترنت بطرق سرية بعيداً عن أعين الآباء.
لسنا بحاجة لـ “أماندا تود” عربية وسماع خبر انتحار فتاة عربية بسبب الإنترنت ليكون هذا بمثابة جرس إنذار لنا، كما أن هذا ليس مؤشر لوعينا، بل كون جرس الإنذار لدينا أصم وأبكم. فبالرغم من تزايد حالات الانتحار في الأردن في الأعوام القليلة الماضية، حيث تشير احصائيات رسمية صادرة عن إدارة المعلومات والمعلومات الجنائية أن عام 2011 شهد 39 حالة انتحار نتج عنها وفاة، أما محاولات الانتحار فقد بلغت 301 حالة، فيما سجلت 49 حالة وفاة بسبب الانتحار في العام 2010 أما محاولات الانتحار فقد بلغت 391 حالة. وفي كل الأحوال يُعزى السبب إلى الأمراض النفسية وأهمها الاكتئاب. مع إعتبار أن الكثير من حالات الانتحار تصنف نتيجة مرض أو حادث فالموت مصيبة فكيف وإن كان موت وفضيحة وهذه للأسف نظرة المجتمع السائدة.
حين يغيب الوعي لدى الأسرة حول أهمية الاستخدام الإيجابي للإنترنت والإلمام بمخاطرها حتى نجنب جميع أفراد الأسرة من الوقوع بها، تسود الممارسات الخاطئة على الإنترنت ويزيد احتمال تعرض الأبناء وهم يقضون ساعات طويلة في التواصل مع أشخاص من مختلف أنحاء العالم يومياً في الدردشة “التشات” ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى التحرش الجنسي والتهديدات والتي قد تصل إلى حد الابتزاز هذا على سبيل المثال لا حصراً للنتائج، إضافة لوصولهم لمرحلة الإدمان التي إن تطورت مع الكبير والصغير قد يصل به إلى الاكتئاب الذي قد يؤدي في أقسى حالاته إلى الانتحار. وعلى الأغلب يكون أسلوب الأبناء في استخدام الإنترنت مجهولا لدى الأهل وهم بمنأى عنهم  ووجود الفجوة الكبيرة بينهم وبين الأبناء في استخدام الإنترنت، إضافة إلى ذكاء الأبناء في التهرب من الرقابة المباشرة والغير مباشرة.
وإذا نظرنا إلى هذه الثلاثية ( الانتحار، المرض النفسي، والممارسات الخاطئة واللاأخلاقية على الإنترنت)، سنجد أن كل واحدة منها تدرج تحت ماينظر له المجتمع على أنه وصمة عار للعائلة، فيسعى الأهل إلى التكتم على أي تفاصيل تحاشياً للفضيحة وهم في مصابهم الكبير.
وكوني استشارية في استخدام الإنترنت المجتمعي يصلني بشكل دائم قصص واقعية من مجتمعنا أورد منها هنا قصة فتاة بعمر 16 عاماً طالبة مدرسة وقعت في الإدمان على تصفح المواقع الإباحية و لم تتمكن من التخلص منها، أخفت الأمر عن أهلها لكنها أسرت به لصديقتها في المدرسة التي سارعت بإخبار بقية الطالبات فتعرضت لهجمة شرسة منهن ونبذنها ومارسن عليها التنمر المدرسي فانعزلت عنهن وتراجع مستواها الدراسي وأصابها الاكتئاب كل هذا والأهل لا يعرفون مايجري لابنتهم. إضافة لقصة الفتاة 14 سنة التي تعرضت للتهديد بالاختطاف والاعتداء وملاحقتها في ذهابها وإيابها للمدرسة من قبل متحرش جنسي التقت به في قنوات التشات وأوهمها انه فتى بعمرها وقام بتصويرها بكاميرا الوب، فأصيبت الفتاة بالانهيار النفسي والاكتئاب، كل هذا دون علم من أهلها ومن أورد قصتها لي صديقة لها.
مثل هذه القصص التي حدثت وتحدث لا يتوصل إلى حقيقتها الإعلام لأنها توأد في حينها ستراً للشرف، وبالتالي لا جرس إنذار سيقرع ولا ناقوس خطر، ويبقى الوعي هو أساس الحياة السليمة للأسرة بعيداً عن مثل هذه الانزلقات الخطرة بحياة أبنائها والتي تودي بهم إلى الدمار والتهلكة. لابد من برامج مكثفة لتوعية افراد المجتمع حول ايجابيات الإنترنت وسلبياتها حول مزاياها ومخاطرها، توجه الأبناء لطرق استخدام بناءة، باعتبارها وسيلة تفتح لهم آفاق نحو المعرفة وتنمية المواهب والمهارات وتحقيق الذات.

م.هناء الرملي
خبيرة استشارية في ثقافة استخدام الإنترنت المجتمعي
hanaakitabi@hotmail.com
www.hanaa.net
.

انتحار، التحرش الجنسي ،المراهقات،الإنترنت، فيسبوك، كاميرا ، التشات، المحادثة ، التهديد،جريمة