الاثنين، 7 يوليو 2008

المحتوى العربي الرقمي على الإنترنت.. نقطة في بحر

المحتوى العربي الرقمي على الإنترنت.. نقطة في بحر




ينقصنا التخطيط الاستراتيجي للحاق بالثورة الرقميةالمحتوى العربي الرقمي على الإنترنت.. نقطة في بحر
نسبة تواجد اللغة العربية على الانترنت لا يزيد عن 1% من التواجد العالمي للغات الأخرى، فمتى نعي أهمية الثورة الرقمية؟

ميدل ايست اونلاين


بقلم: م.هناء الرملي
لا شك أننا كعشاق للغتنا العربية نعتز ونفخر كونها إحدى اللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة كلغة عالمية، تُرى ماهو شعورنا عندما تصلنا نتائج الإحصاءات لتخبرنا بأن لغتنا العربية لا تزيد عن واحد بالمئة كلغة محتوى رقمي على شبكة الإنترنت؟ وأن لغتنا العربية لا تعتبر من ضمن اللغات العالمية العشر ذات المحتوى الأعلى على الانترنت؟ حيث يأتي ترتيب اللغات من حيث المحتوى الرقمي لها بدءاً من اللغة الانجليزية التي تتصدر لغات العالم، تليها اللغة اليابانية فالألمانية والصينية والفرنسية والاسبانية والروسية والإيطالية والبرتغالية ثم الكورية. مع العلم أن عدد مستخدمي الإنترنت باللغة العربية حوالي 29 مليون مستخدم.

حتماً لم يأت هذا الترتيب من عبث أو عشوائية، بل هو نتاج جهود مدروسة ومحكمة لحكومات بلادها وجهاتها الرسمية، ونتاج خطط واستراتيجيات تحولت إلى مشاريع عملية ملموسة النتائج، على مدى السنوات القليلة الماضية منذ بدء استخدام الإنترنت في أوائل التسعينات من القرن الماضي حتى يومنا هذا.

فإذا اطلعنا على تجارب بعض هذه الدول في إغناء المحتوى الرقمي الثقافي الخاص بها، نجد أن التجربة الفرنسية قد بدأت منذ بدايات الإنترنت بوضع مقتنيات متحف اللوفر، كذلك التراث الثقافي الفرنسي بما في ذلك المحفوظات الوطنية والمخطوطات والكتب التراثية الهامة والنصوص الأساسية للأدب الفرنسي، بالإضافة إلى وثائق سمعية وبصرية، والتراث الفرنسي العلمي والثقافي، ولازالت الجهود الدؤوبة قائمة باستمرارية لإغناء المحتوى الفرنسي الرقمي.
إن كل مُطلع على المحتوى الرقمي العربي على الإنترنت يدرك الحالة المؤسفة التي وصل لها هذا المحتوى، فنجد أن الفقر والضعف والعشوائية هي سمات رئيسية لهذا المحتوى،عدا عن كون المحتوى المتوفر غير احترافي وغير تفاعلي، ونجد غياب واضح لمحركات بحث عربية فعالة، وكذلك ندرة مواقع البوابات العربية على الإنترنت حيث أن دورها هو تنسيق وتصنيف المحتوى العربي الرقمي.

تتعدد الأسباب التي أدت بالمحتوى العربي الرقمي إلى هذا الحال، منها وأهمها تأخير انتشار البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في أغلب البلدان العربية، ولكن غياب الاستراتيجيات المدروسة لإغناء المحتوى وإدارته هو السبب الرئيسي القائم، وحيث يقع على عاتق كل من أدرك هذه الحقائق ليس فقط تسليط الضوء عليه، وإنما قرع أجراس الصحوة العربية، حتى تتحقق نوعاً من اليقظة العربية لحال المجتمع المعلوماتي العربي وواقع المحتوى الرقمي العربي.

إن صناعة عربية للمحتوى الرقمي لا صناعة محتوى رقمي عربي، بمعنى الاعتماد في هذه الصناعة على الموارد العربية والموارد الأجنبية، وترجمات الموارد العربية إلى اللغات الأجنبية، ستساهم في تقليص الفجوة المعرفية الرقمية السائدة بين العالم المتقدم والعالم النامي وبين الوطن العربي، كذلك ستساهم في تقليص الفجوة الرقمية للإنتاج البحثي والعلمي باللغة العربية والإنتاج البحثي والعلمي، وتدعم وتعزز الإنتاج العلمي والثقافي العربي على شبكة الانترنت العالمية، وسوف تساهم هذه الصناعة أيضاً في إيصال إبداعات العقول العربية للعالمية، ولا يخفى على أحد في عصرنا الحالي دور الاقتصاد المعرفي في رقي ونهضة الأمم والشعوب، وكما تدل الدراسات الاقتصادية عن وجود علاقة أساسية بين استعمال المجتمعات للغتها الأم وبين نموها الاقتصادي والاجتماعي.

لقد بدأت بعض الدول العربية مؤخراً بوضع مشاريع وخطط من أجل تحقيق هذه الصناعة والبدء بتنظيمها وإدراتها، ومنها مصر و دولة الإمارات العربية لكن لم تصل ثمار هذه الجهود إلى طور القطاف الحقيقي والملموس بعد، لأنها لازالت حديثة العهد، باسثتناء موقع مكتبة الاسكندرية والتي تحتوي على ست مكتبات متخصصة ومايقارب الـ 10 بلايين صفحة نصوص ويعتبر هذا المحتوى أكثر من ذلك الموجود في مكتبة الكونغرس كما هو موثق في موسوعة ويكيبيديا بالنسخة العربية، أما عن دول المغرب العربي فمن المؤسف القول أن اللغة الفرنسية هي اللغة الشائعة للمحتوى الرقمي كونها اللغة السائدة لديهم.

أما عن واقع دور الأردن في إثراء المحتوى الرقمي العربي الثقافي، فمن الجدير ذكره دور الحكومة الاردنية في بناء بوابة الحكومة الإلكترونية باللغة العربية كذلك دور مركز تكنولوجيا المعلومات الوطني في تشجيع المؤسسات على النشر الإلكتروني باللغة العربية، كذلك الدور الرائد للجنة الوطنية للمعلومات في مشروع "موقع إلكتروني لكل أستاذ جامعي" حيث سيتم نشر جميع الأبحاث والمؤلفات والدراسات التي أعدها الباحثين في الجامعات الأردنية الكترونياً، مما سيساهم بتعزيز المحتوى العربي في مختلف المجالات الثقافية والعلمية أمام المهتمين والباحثين.

أما عن دور الجهات غير الرسمية في العالم العربي ومن بينها الأردن، فلا بد أن نشيد بالدور المميز الذي يقوم به اتحاد كتاب الإنترنت العرب، ومقره الرئيسي الأردن ويرأسه الكاتب محمد سناجلة، ويضم نخبة من الأدباء العرب والأردنيين، وكذلك نخبة مميزة من الأدباء والمفكرين والباحثين العرب من كافة اقطار الوطن العربي والمهجر، ويهدف الاتحاد إلى المساهمة الفعالة في نشر الثقافة والإبداع الأدبي العربي وإنشاء دار نشر ومكتبة رقمية تسهم في نشر الإبداع الأدبي العربي، و نشر الوعي بالثقافة الرقمية في أوساط المثقفين والكتاب والإعلاميين العرب وإنشاء صيغ للتبادل الثقافي العربي. مع الأخذ بالاعتبار الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية للأدباء، وقد بدأ الاتحاد بأخذ خطوات جادة وملتزمة لتحقيق هذه الأهداف منذ بداية نشأته منذ مايقارب الثلاثة أعوام.

ولا بد أن نشيد هنا بالدورالذي تقوم به "الاسكوا" من خلال مبادرة المحتوى الرقمي العربي التي بدأت بها منذ عام 2003 في الوطن العربي، ومن خلال اطلاق مشروع "تعزيز صناعة المحتوى الرقمي العربي من خلال الحاضنات التكنولوجية" الذي أطلق عام 2007، حيث تقوم الإسكوا بالتعاون مع حاضنات تكنولوجية منتقاة بتنظيم عدد من المسابقات الوطنية لاحتضان أفضل مشاريع المحتوى الرقمي العربي في الأردن ولبنان وفلسطين وسوريا واليمن. وكذلك مبادرة "مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم " باطلاق برنامج " سواعد " لدعم وتطوير المشاريع المبتكرة والتي تهدف الى تطوير كل ما يساهم في تطوير المحتوى العربي وموارد التعليم والتعلم والترويج للثقافة العربية.
ونبقى على أمل وحلم أن تحذو حذو هذه الجهات الكثير من الحكومات والجهات الرسمية والخاصة في البلاد العربية، لنحقق محتوى عربي رقمي غني يغنى تراثنا العربي الضخم و حضاراتنا العريقة الضاربة الجذور في أعماق التاريخ، وكما دلت الدراسات في مجال تكنولوجيا المعلومات أن اللغة التي لا تدير أو لا تتدبر العمل في المحتوى الرقمي تنحسر عن الحياة تدريجياً، وخلود الحضارات والشعوب على توالي العصور يتحقق بخلود لغاتها.

م.هناء الرملي
ناشطة في مجال ثقافة الإنترنت وتكنولويجا المعلومات
www.hanaa.net