السبت، 19 يناير 2008

صور في قفص الإتهام

صور في قفص الإتهام


م।هناء الرملي



قالوا: "رُب صورة بألف كلمة"،و قالوا :"الصورة خير برهان"،بالرغم من هذا فإن الصورة ـ في عصرنا الرقمي هذا ـ أصبحت متهمة ،بعد أن اُنتهكت براءتها بالتزوير والفبركة ،حتى أنها تطلق الشائعات وتقترف الجرائم ،فتحولت من دليل للحقائق إلى ضلالٍ مبين ،ومن أداة إثبات وتوثيق إلى شاهد زور ،الصورة متهمة حتى تثبت براءتها ،فكم من الجرائم تُرتكب وكم من الحقوق تُنتهك وكم من شرفٍ رفيعٍ لم يسلم من الأذى ।







فكم نسمع عن تركيب الصور الرقمية بطرق مخلة بالأخلاق باستخدام برامج كالفوتوشوب ، و التي سببت من المشاكل والفضائح لشخصيات معروفة او مغمورة ، لكن التقنيات الحديثة في كشف تزييف الصور أصبحت متقدمة ، وقد سنت قوانين عقوبات لمرتكبيها । هو عصر التكنولوجيا الذي ما إن تبتكر تقنية جديدة فيه حتى يوجد لها جرائم ومجرمين فتبتكر تقنيات لكشفها وتسن لها القوانين .










ومن التلاعب بالصور والحقائق أطرفها ،ما تم نشره مؤخراً من صور للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أثناء إجازته وهو في كامل رشاقته بعد أن حذفت زوائد ونتوءات شحمية عن خصره ،كذلك صورة وزير الصحة البريطاني التي نشرت وهو يفتتح مستشفى جديد مع حشد من الحضور لأنه كان يرغب بالحضور لكنه لم يتمكن ، فتم إضافة صورته إلى صور الافتتاح ।





في متحف الإتصالات في مدينة برن السويسرية تُعرض مجموعة كبيرة من الصور المفبركة إلى جانب الصور الأصلية ،يهدف المعرض إلى إيقاظ الحس النقدي والتفكير المنطقي التحليلي تجاه الصورة .إحدى هذه الصور انتشرت وشاعت عبر الإنترنت باعتبارها الصورة الأخيرة الملتقطة لسائح شاب على سطح مركز التجارة العالمي في هجمات 11 سبتمبر ،حيث يظهر الشاب مبتسماً للكاميرا وخلفه إحدى الطائرات وهي تدنو من البناء لاختراقه ،وقد تحولت إلى صورة ذات دلالات عالية ،ثم اتضح فيما بعد أن الصورة مفبركة وهي مجرد دعابة من أصدقاء هذا الشاب .

مشهد مقتل الطفل محمد الدرة عام 2000 أمام عدسات كاميرا مصور وكالة الأنباء الفرنسية ،و الذي شكل صدمة وذهول للرأي العام العربي والعالمي. وكان دليلاً حيًا على جرائم الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين العُزل،هذا المشهد الذي زُرع بذاكرتنا وضمائرنا ،وصراخ أبيه:"الولد مات، مات الولد" مسكوناً فينا ، تم مؤخراً رفع دعوى قضائية في فرنسا ،من قبل رجل أعمال يهودي بزعم أن الدرة طفل يهودي قُتل برصاص مسلحين فلسطينيين، في محاولة لاجتثاث هذه الصورة من العقول ،بعد أن تمت عملية فبركة للمشاهد بإضافة القبعة الدائرية التي يرتديها اليهود عادة فوق رؤوسهم على رأسي الدرة و أبيه ، وقد فرضت المحكمة عليه غرامة لإدعائه الكاذب بعد كشف عمليات التلاعب .لكنه تقدم ياستئناف للقضية.

علمتنا الصور الرقمية وألاعيبها أن نثير في داخلنا علامات الاستفهام قبل علامات التعجب والدهشة ، وأن نتحقق مما نراه قبل أن نحكم ، قد لا تملك عيوننا تقنيات الكشف عنها، لكنها تملك في حكمها منطق العقل والذكاء ।

م।هناء الرملي
كاتبة وباحثة متخصصة في مجال ثقافة الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات
مصممة ومديرة مجموعة مواقع هناء نت
http://www.hanaa.net/
ملاحظة تم نشر هذا المقال في جريدة الدستور الأردنية

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

موضوع شيق وممتع ويستحق التأمل.
شكرا هناءالى الامام دوما....

جهاد

غير معرف يقول...

الاخ الكريم جهاد
الشكر لك على مرورك وكلماتك اللطيفة .
دمت بخير .